روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | إزهدي في الدنيا يحبّك الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > إزهدي في الدنيا يحبّك الله


  إزهدي في الدنيا يحبّك الله
     عدد مرات المشاهدة: 2322        عدد مرات الإرسال: 0

عن أبي العباس سهل بن سعد الساعديّ رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته أحبّني الله وأحبّني الناس، فقال: «إزهد في الدنيا يحبّك الله، وإزهد فيما عند الناس يحبّك الناس» حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة.

لقد تعلّقت القلوب بالدنيا تعلّقاً مخيفاً، حتّى باتت هذه الدنيا همّ الخليقة وشغلهم الشاغل، وأنا هنا لا أقصد بـ -التعلّق المخيف- الإهتمام بما تحتاجه الواحدة منّا من الاهتمام في السعي لكسب الرزق، أو الإهتمام في التربية، أو الإهتمام في إصلاح الأحوال، بل هذه الأدوار الإجتماعيّة هي أدوار شرعيّة واجبة، ولكنّني أقصد بذلك الجانب الآخر المظلم الذي جعل من صاحبته أسيرة للدنيا تلهث خلف سرابها، فتضيع بهذا المقاصد الشرعيّة التي ترمي إلى تحقيقها الشريعة.

لن أقول إتركي الدنيا وإنقطعي عنها وعن أهلها، وحرّمي على نفسك الطيّبات التي أحلّها الله لك، ولكن لا تكوني ضائعة بين لذائذ الدنيا ومتعها الماديّة الظاهرة، ولا إنعزاليّة تقطعين عن نفسك فرصة السير الحقيقيّ في هذه الحياة الذي يجعلك متقدّمة للجنة ولرضى الله وحبّه لك، ولكن اعلمي أنّ ما تتطلّبه الحياة منك لا يخرج عن ثلاثة أمور:

= الضرورات: ما يضطر إليه الإنسان ليدفع به ضرراً قد يلحق به، وأهمّها: الدين، العقل، العرض، المال، النفس، وهذه هي الضرورات الخمس شرعاً.

= الحاجات: ما يحتاجه الإنسان ليكمل به أمور حياته كالبصر والسمع والكلام والمسكن المريح والذريّة، فكلّ هذه ضرورات تكمل بها حياة الإنسان، ولكن فواتها لا يعني فوات الدنيا. بل تقوم بدونها الحياة.

= الكماليّات: وهي ما يكمل به الإنسان متعته في أمور دنياه، كالمسكن الجميل، والسيارة الجديدة، واللباس المزخرف، وتعدّد أصناف الطعام، فهذه كلّها كمال لمتعة المرء، وليست كمالاً لأموره المهمّة، ولا دفعاً لضرر قد يلحق به عند فواتها.

وقال صلّى الله عليه وسلّم لوالد أبي الأحوص: «فإذا آتاك الله مالاً فليُرَ أثر نعمة الله عليك وكرامته» رواه أبو داود وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 1/284

وإهتمام المرأة فيما لا تحتاجه إهتماماً مبالغاً فيه، كالفرح بإقبال الدنيا والسعي خلف زينتها مباهاة وتفاخر وتطاولاً على الناس فهو مذموم، قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].

فكوني مقتصدة في العيش وتذكري مديح الله للمقتصدين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67].

والقصد في المعيشة: الرضا بالكفاية، قال الشافعي: طلب الزائد من الحلال عقوبة إبتلى الله بها أهل التوحيد، فاقتصري على الكفاية.

وإتركي ما لا ينفعك في الآخرة تكوني زاهدة، ولا تكثري على نفسك بالمباحات، وإيّاك والتوسّع والتبسّط فيها، فإنّها خلاف علامة الزهاد، إلا إن أردت بالمال والشرف نصرة الحقّ أو الوجاهة لتأخذي مكانتك التي تليق بك، أو كانت لك كفاية، فإنّ حبّ الشرف والمال وطلبهما للحقّ والخير حسن، فقد قال يوسف عليه السلام للملك: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]، وجاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يارسول الله، دلّني على عمل أعمله، قال: «كن إمام قومك، فإن لم تسطع فكن مؤذنهم»، قال: فإن لم أستطع قال: «فكن في الصف الاول» ابن أبي شيبة في مصنفه 1/415.

ومع هذا ينبغي الحذر والتوقّي عمّا يلهي النفس ويصرفها عن غايتها المُثلى من الطهارة والنظافة، وينحرف بها عن معاني الخير إلى رذائل الأخلاق ومساوئ الصفات، وطلب الدنيا على هذا النحو لا يتنافى مع الزهد، لأنّ الزهد ليس في تحريم زينة الله التي أخرج لعباده، ولا في ترك الطيّبات من الرزق، وإنّما الزهد الذي أراده الإسلام هو الزهد في الحرام، والزهد في الشبهات، والزهد في التوسّع في اللذائذ والشهوات، التي تصرف الإنسان عن واجباته الشخصيّة والإجتماعيّة، وتنسي المرء واجبه نحو ربّه، ونحو أسرته، ونحو بني جنسه.

والزهد بهذا المعنى يريح القلب والبدن، ويكسب محبّة الله ويجلب مودّة الناس، وإيّاك والإقبال على الدنيا الإقبال المذموم، وتذكّري أنّ الله قد حقّر الدنيا فقال: عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء» الترمذي وصححه الألباني رحمه الله.

فلا تعظّمي حقيراً تكوني زاهدة ولا ترغبي في ما كره الله تكوني زاهدة ، ثم إعلمي أنّ الدنيا والآخرة ضرّتان فإذا زهدت في إحداهما دلّ ذلك على أنّك راغبة في الأخرى.

وليكن همّك وشغلك في الحياة أن تقدّمي أعمالاً تعتبرينها أدوات لتبني بها جسراً يوصلك إلى الآخرة، فالدنيا ليست عدوّة للبشر، ولكنّها ميدان سباق وساحة عمل، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور} [الملك:2].

الكاتب: بلقيس صالح الغامدي.

المصدر: موقع رسالة المرأة.